طبعت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، في اليومين الماضيين، حول تزويد أوكرانيا بصواريخ متقدمة حالة من التردد، لها أسبابها الجيوسياسية.
ومردّ التردد كما يلاحظ المراقبون، إضافة إلى عدم استفزاز روسيا، بتزويد أوكرانيا بصواريخ قادرة على بلوغ أراضيها، هو فتح ممرات سياسية، واقتصادية، في مفاوضات غير مباشرة بين الغرب وموسكو.
فبعدما قال بايدن يوم الإثنين الماضي بالقطع: “لن نرسل لأوكرانيا أنظمة صواريخ قادرة على بلوغ روسيا”، عاد في اليوم التالي ليعلن أنّ الولايات المتّحدة ستزوّد أوكرانيا بـ”أنظمة صاروخية متطوّرة” تتيح لها إصابة “أهداف أساسية” في المعارك الدائرة بين قواتها والجيش الروسي.
وكتب بايدن في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” أمس الثلاثاء: “سنزوّد الأوكرانيين بأنظمة صاروخية أكثر تطوّراً وذخائر، مما سيتيح لهم أن يصيبوا بدقّة أكثر أهدافاً أساسية في ميدان المعركة في أوكرانيا”.
لكن الرئيس الأمريكي لم يوضح عن أيّ نوع تحديداً من الأنظمة الصاروخية يتحدّث، لكنّ مسؤولاً كبيراً في البيت الأبيض قال إنّ الأمر يتعلّق براجمات صواريخ من طراز “هيمارس”، وأخرى يصل مداها إلى 80 كيلومترا فقط.
المسؤول الأمريكي وضع بذلك حدّاً لأيام عدّة من التكهنّات بشأن طبيعة الأسلحة النوعية الإضافية التي قرّرت واشنطن تزويد كييف بها للتصدّي للعملية العسكرية الروسية.
ومن الواضح أن الرئيس بايدن تراجع عن وعوده لأوكرانيا، بشأن تقديم صواريخ بعيدة المدى، إذ يملك الجيش الأمريكي صواريخ يصل مداها إلى مئات الكيلومترات بعضها من طراز “هيمارس”.
لكن يبدو أن عدة أسباب، منعت بايدن من المضي قدما في استفزاز روسيا بمثل تلك الصواريخ، مكتفيا بتزويد أوكرانيا بصواريخ، لا تتجاوز الدفاع داخل أراضيها في مواجهة الجيش الروسي.
وتشير تقارير إعلامية، ومحللون سياسيون، إلى عدة أسباب لهذا التراجع، منها تزايد الخلافات في الجبهة الغربية ضد روسيا، مع انقسام الحلفاء الأوروبيين، وجيران أوكرانيا من دول البلطيق، حول الاستمرار في شحن المزيد من الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا، والتي يخشى الجميع أن تطيل الحرب وتزيد من تداعياتها الاقتصادية.
ففضلا عن تباين وجهات النظر بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، يتفق الطرفان فيما يبدو على ضرورة عدم استفزاز موسكو، وتخفيف حدة المواجهة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يجري مفاوضات مع بعض القادة لقبول طلب بالسماح بتصدير الحبوب من أوكرانيا إلى العالم، لتجنب أزمة غذائية عالمية.