رغم هزيمته رسميًا في سوريا قبل ثلاثة أعوام، فإن “حلم دولة الخلافة” المزعومة، ما زال يراود تنظيم “داعش” الإرهابي، ما أطلق جرس إنذار من “الخطر الكبير” الذي ينتظر المنطقة.
ذلك الخطر يتطلب من الحكومات والدول تنسيقًا أكبر، لمكافحة تهديد “داعش” وتجفيف منابع تمويله، وحل أزمة سجناء داعش في معسكرات سوريا.
فأين يقف “داعش” حاليًا؟
قبل أسبوعين وتحديدًا في 10 فبراير/شباط 2023، أعلنت الولايات المتحدة شنها بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، غارة في سوريا، أسفرت عن مقتل إبراهيم القحطاني، المسؤول المهم في تنظيم داعش.
هذه الغارة تعد الأحدث في سلسلة من الغارات التي تشنها الولايات المتحدة ضد داعش، ما يشير إلى أمرين؛ أولهما أن لدى الولايات المتحدة تغطية استخباراتية جيدة للتنظيم الإرهابي في معاقله، وثانيهما أنها تسلط الضوء على أوجه قصور الاستراتيجية الحالية.
وفي 21 يناير/كانون الثاني 2023، أسفرت عملية أمريكية في شرق سوريا عن القبض على اثنين من عناصر تنظيم داعش، هما عبد الله حميد مصلح المداد، المعروف أيضًا باسم أبو حمزة السوري، وحسام حميد المصلح المداد الخير، بالإضافة إلى أحد شركاء هذا الأخير.
قبلها بأيام، أسفرت عملية أخرى مشتركة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا عن القبض على مسؤول في تنظيم داعش قيل إنه متورِّط في تخطيط وتسهيل عمليات داعش داخل المنطقة وخارجها.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، ألقت القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية القبض على عدد من عناصر “داعش”، خلال سلسلة من الغارات في شمال شرق سوريا.
هجمات داعش
في مقابل ذلك، يواصل “داعش” هجماته بوتيرة ثابتة على جانبي الحدود العراقية السورية؛ ففي فبراير/شباط 2023 شن تصعيدًا خطيرًا في سوريا، مستهدفا هجمات إلى حد كبير أهدافًا ضعيفة للغاية: السوريين الذين يصطادون الكمأة في الصحراء.
ففي 11 فبراير/شباط 2023، اختطف مقاتلو داعش قرابة 75 صيادًا للكمأة خارج مدينة تدمر، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 16 شخصًا، بينهم امرأة وضباط أمن. وفيما أُفرج عن 25 شخصًا، لا يزال الباقون في عداد المفقودين.
بعدها بستة أيام، هاجم “داعش” مجموعة من صيادي الكمأة خارج بلدة السخنة الصحراوية، على الطريق السريع من تدمر، واشتبك مع القوات عند نقطة تفتيش أمنية قريبة، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 61 مدنيًا، وسبعة جنود.
وأسفرت هجمات أصغر في محيط المنطقة عن مقتل 12 شخصًا آخرين، بينهم جنود ومقاتلون موالون للحكومة ومدنيون، إلا أن الهجوم في السخنة كان “الأكثر دموية” للتنظيم منذ يناير/كانون الثاني 2022، عندما اقتحم مسلحون من “داعش” سجنًا في مدينة الحسكة الشمالية الشرقية.
وبحسب موقع “عين أوروبية على التطرف”، فإن تنظيم “داعش” يطلق على حملة اقتحام السجون اسم “كسر الجدران”، مشيرًا إلى أنه استخدمها لإحداث تأثير مدمر خلال فترة صعوده في السنوات التي سبقت إعلان “الخلافة” في عام 2014.
كسر الجدران
وركزت حملة “كسر الجدران” الجديدة، التي بدأت منذ أن فقد داعش سيطرته على الأراضي، على إطلاق سراح أكثر من 10 آلاف سجين من “داعش” تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية في معسكرات مؤقتة بسوريا.
ويقول موقع “عين أوروبية على التطرف”، إن داعش لا يزال يواصل أنشطته بوتيرة عالية في جميع أنحاء سوريا والعراق، وخارجها، مؤكدًا أن وضع سجناء داعش المحتجزين في سوريًا لا يزال هشًّا للغاية، ويُشكّل تحديًا أمنيًا خطيرًا، دون أي حل يلوح في الأفق.
وأكد الموقع الأوروبي، أن تكتيكات داعش المتطورة للحفاظ على نفسه “تؤتي ثمارها”.
وحذر الموقع الأوروبي، من ترك أعضاء “داعش” في بيئة، حيث يمكنهم فيها زيادة التطرف، والمساهمة في تطرف الآخرين، مشيرًا إلى أن أمرًا كهذا يمثل مشكلة أمنية رهيبة ومتنامية.
وأشار إلى أنه بصرف النظر عن الحجج القانونية والأخلاقية التي تمنع بعض الدول الأوروبية من المشاركة بنشاطٍ في عمليات الإعادة إلى الوطن، فإنه يجب إعادة هؤلاء الأشخاص إلى ديارهم في أقرب وقتٍ ممكن، حيث يمكن أن يُقدموا إلى العدالة ويخضعوا لإعادة تأهيل من قبل المتخصصين في مكافحة التطرف.
وشدد “عين أوروبية على التطرف”، على أن الغارات مثل تلك التي أجهزت على القحطاني ليست كافية؛ إذ ستتيح لخليفته الفرصة لشن المزيد من الغارات مثل تلك التي وقعت على سجن الصناعة العام الماضي طالما تركت الدول الأوروبية مواطنيها في المخيمات في سوريا.
إلا أن خطر “داعش” لا يقتصر على المحتجزين داخل المراكز، بل إنه في الوقت نفسه، استمر في النمو، وانتقل من قوة إلى قوة في أفغانستان منذ أن ترك حلف الناتو الدولة لطالبان والقاعدة قبل ثمانية عشر شهرًا، فاستطاع شن هجمات كبيرة ومعقدة في أكثر المناطق تحصينًا في العاصمة.
وفي أفريقيا، يستمر “داعش” في توسيع موطئ قدمه وترسيخها، خاصة في نيجيريا، حيث قاتل “الإرهابيون” القوات الحكومية حتى وصل الوضع إلى طريق مسدود.
ولا تزال منطقة الساحل الأوسّع بيئة خصبة لداعش، كما هو الحال بالنسبة للكونغو وموزمبيق، بحسب “عين أوروبية على التطرف”، الذي أشار إلى أنه حتى مواقع داعش الصغيرة في الصومال وجنوب أفريقيا، اتضح أنها جزء لا يتجزأ من لوجستيات وتمويل “الخلافة” العابرة للحدود الوطنية.
روافد داعش المالية:
ويقول موقع “عين أوروبية على التطرف”، إن أحد العناصر الجديدة التي ساعدت داعش في الحفاظ على موارده المالية هو استخدام العملة المشفّرة؛ ففي وقتٍ مبكر من يونيو/حزيران 2020، كانت صفحة داعش التي “كانت متاحةً سابقًا على كل شبكة الإنترنت العادية”، تضخ مواد دعائية، وتتيح للموالين لداعش من جميع أنحاء العالم التفاعل مع بعضهم بعضًا، وتقديم طلبات للتبرعات باستخدام العملة المشفّرة.
وأشار إلى أن “داعش” يطلب على وجه التحديد من أعضائه استخدام مونيرو بدلًا من بيتكوين لأسبابٍ أمنية، مؤكدًا أنه حتى الآن، لا يزال من الصعب معرفة حجم استخدام داعش للعملات المشفّرة.
وفي أغسطس/آب 2020، أعلنت وزارة العدل الأمريكية إغلاق 300 حساب للعملات المشفرة، ومصادرة ملايين الدولارات الخاصة بداعش والقاعدة.
وأكد أن “داعش” استفاد من الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، التي تكون في الغالب صورًا أو أعمالًا فنية عبر الإنترنت يمكن تداول “ملكيتها”.
وبحسب موقع “عين أوروبية على التطرف”، فإن طبيعة العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال تجعلها تقنية مريحة وآمنة للغاية لجمع الأموال للإرهابيين وتجار الأسلحة والحكومات الفاسدة وعصابات المخدرات وغيرها من الجهات الفاعلة الخبيثة.
وللتصدي لتهديد داعش، طالب الموقع بضرورة أن يكون هناك تنسيق أكبر بين الحكومات- بشأن الجوانب الأمنية “الصلبة”، مثل توفير الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، وربما القوات للدول التي تعاني من تهديداته، فضلًا على الجوانب “الناعمة” مثل تمويل الإرهاب.