فيما اتخذت أمريكا سياسة العقوبات لردع إيران عن المضي قدمًا في تطوير أسلحتها، نجحت طهران في التحايل على تلك الاستراتيجية، ما أثمر ازدهار صناعة الطائرات بدون طيار.
إلا أن ازدهار صناعة وبرنامج الطائرات بدون طيار الإيرانية، طرح الكثير من التساؤلات بشأن جدوى العقوبات الأمريكية، وما إذا كانت استراتيجية واشنطن قادرة على المضي قدمًا، في “ترويض” طهران، وتعطيل برامجها لتطوير أسلحتها.
تساؤلات أجابت عنها صحيفة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية، قائلة إنه بالنظر إلى صعوبة تعطيل برنامج الطائرات بدون طيار الإيراني من خلال العقوبات الاقتصادية وضوابط التصدير، فإنه على الولايات المتحدة تبني استراتيجية جديدة.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أعضاء المجلس التنفيذي لشركة القدس للطيران والصناعات الفضائية (IAIO) ، وهي شركة دفاع إيرانية أسسها الحرس الثوري الإيراني عام 1985.
عقوبات أمريكية
وتصمم الشركة وتصنع طائرات بدون طيار للاستطلاع والقتال متوسطة المدى والمسماة “مهاجر 6″، والتي يُفترض أنها نُقلت إلى روسيا في الصيف.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قالت تقارير غربية، إن روسيا استخدمت المهاجر 6 لتنسيق هجوم على ميناء أوديسا الأوكراني، “في تناقض مع إنكار طهران لتزويد موسكو بطائرات بدون طيار بعد شنها العملية العسكرية في أوكرانيا”، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفيما فرض مكتب الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على شركة القدس منذ 2013، كان أعضاء المجلس التنفيذي للشركة على موعد مع عقوبات جديدة في 6 يناير/كانون الثاني الجاري.
وتقول “ذا ناشيونال إنترست”، إن الحكومة الأمريكية قد تزيد -أيضًا- العقوبات المفروضة على مسؤولي شركة صناعة الطائرات الإيرانية (HESA) ، التي تنتج المسيرة الإيرانية الانتحارية “شاهد -136″، التي أعادت روسيا تسميتها “جيران -2″، والتي ظهرت بشكل بارز في الحرب في أوكرانيا.
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، نشرت روسيا طائرات إيران المسيرة “شاهد -136″، في موجات من ضربات الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تشنها، مما أدى إلى شل البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا.
لاعب بارز
ولسنوات، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المجمع الصناعي العسكري الإيراني وقاعدة التصنيع، وغيرها من الشركات الإيرانية، إلا أنه مع ذلك استمر قطاع الطيران الإيراني وصناعة الطائرات بدون طيار في التوسع والازدهار؛ فالعقوبات الغربية لم تمنع إيران من أن تصبح لاعباً بارزاً في سوق الطائرات بدون طيار العسكرية وتقاسم تكنولوجيا الطائرات بدون طيار مع الشركاء والوكلاء داخل وخارج الشرق الأوسط.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن إيران قامت بتصنيع وتشغيل طائرات بدون طيار منذ الحرب الإيرانية العراقية في منتصف الثمانينيات، مشيرة إلى أن الطائرات بدون طيار قدمت على نحو متزايد ميزة غير متكافئة لإيران، مع إدراك أنها لا تستطيع التنافس مع القوات الجوية الأكثر حداثة في المنطقة – حتى في الوقت الذي تحاول فيه الحصول على طائرات مقاتلة من طراز سوخوي 35 من روسيا مقابل طائرات بدون طيار وصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى.
وأشارت “ذا ناشيونال إنترست” إلى أن الطائرات بدون طيار الإيرانية أرخص من نظيراتها الغربية وقد أثبتت فعاليتها في ساحة المعركة، سواء ضد المتمردين المحليين والإقليميين أو الأصول الأمريكية في المنطقة.
كيف استفادت إيران؟
وأكدت أنها مكّنت إيران من إبراز قوتها وجني الأرباح وتعزيز مكانتها وتقوية التحالفات والتأثير على النزاعات في الشرق الأوسط وخارجه، مشيرة إلى أن طهران سلمت طائرات بدون طيار وتصميماتها ومكوناتها وتدريبها لشركائها ووكلائها في العراق ولبنان واليمن، وكذلك لحكومات أجنبية مثل روسيا وسوريا وفنزويلا.
وبعد قرابة عامين، من انتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران في أكتوبر/تشرين الأول 2020، افتتح أحد أبرز العسكريين الإيرانيين اللواء محمد باقري مصنعا إيرانيا جديدا للطائرات بدون طيار في طاجيكستان، في مايو/أيار 2022، وهو أول منشأة بحرية لإنتاج الطائرات بدون طيار.
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومع استمرار روسيا في استخدام “شاهد -136” ضد البنية التحتية الأوكرانية والمدنيين، ادعى أحد كبار المساعدين العسكريين للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أن 22 دولة تريد شراء طائرات بدون طيار الإيرانية.
وتقول “ّذا ناشيونال إنترست”، إنه حتى الآن، امتنعت إيران عن تزويد روسيا بطائرات بدون طيار وصواريخ طويلة المدى وأكثر فتكًا، مثل الطائرة الانتحارية بدون طيار أراش -2 وصاروخ فاتح 110 وصاروخ زولفاغار الباليستي قصير المدى (SRBM)، لتجنب التعرض لعقوبات سريعة بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 حتى انتهاء صلاحية بند رئيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إلا أنه في الوقت نفسه، في مدينة بندر عباس جنوبي إيران، تعاقدت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني مع شركة بناء السفن الإيرانية، لتحويل سفينة حاويات شهيد مهدوي إلى حاملة طائرات بدون طيار.
لماذا فشلت أمريكا؟
تحركات إيرانية، تواجهها أمريكا بزيادة العقوبات، وفرض ضوابط على الصادرات والضغط على الشركات الخاصة لتعطيل سلسلة التوريد التكنولوجية المرتبطة بصناعة الطائرات بدون طيار في طهران.
تلك الخطط الأمريكية أعلن عنها بعد ظهور تقارير تفيد بأن “شاهد -136” تم تصنيعها بمكونات أمريكية وبريطانية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هذه المكونات لا تؤدي إلى تعقيد السردية الثورية للاستقلال والاكتفاء الذاتي لإيران فحسب، بل تُظهر أيضًا قدرتها على تجاوز العقوبات.
وكما هو الحال مع العقوبات الغربية، من غير المرجح أن تؤدي المزيد من ضوابط التصدير وضغط الشركات إلى الحد بشكل كبير من وصول إيران إلى هذه المكونات؛ لعدة أسباب، بينها أنه تم بالفعل دمج المكونات الأجنبية في برنامج قوي للطائرات بدون طيار مع سلسلة إمداد راسخة.
أما السبب الثاني، فإنه يمكن للولايات المتحدة أن تعاقب الشركات التي تبيع تكنولوجيا مزدوجة أو متعددة الاستخدامات لإيران وغيرها من الدول، إلا أنها لا تستطيع منع بائعي هذه التكنولوجيا تمامًا.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن القيادة الإيرانية تتبنى نهجًا حكوميًا شاملاً وتستخدم جميع الأدوات المتاحة، من نخب النظام الملتحقين بالجامعات في الخارج إلى التجسس الإلكتروني، للوصول إلى أحدث التقنيات، مؤكدة أن إيران قد تواجه صعوبة في الوصول إلى أو إنشاء تكنولوجيا اتصالات معقدة.
إلا أنه مع ذلك، لا يزال بإمكانها بسهولة شراء شريحة مستقبل إشارة إلكترونية من شركة Texas Instruments من النوع الذي اكتشفته القوات الأوكرانية داخل شاهد -136 التي دمرتها، خاصة من سوق التكنولوجيا الصيني الكبير وغير المنظم.
وأشارت إلى أن رأس المال البشري في إيران يمكن أن يسمح لها بتسريع الإنتاج المحلي لمكونات الطائرات بدون طيار، عبر الاعتماد على علمائها وفنييها ومهندسيها وعلماء الرياضيات من الدرجة الأولى الذين تخرجوا في جامعة الشريف للتكنولوجيا وغيرها من المؤسسات التعليمية الإيرانية رفيعة المستوى.
سياسة العصا والجزرة
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه لردع إيران، فإن الولايات المتحدة ستتبنى استراتيجية جديدة، ستسعى إلى استخدام نهج مبتكر وشامل لكسر الحلقة اللانهائية لفرض العقوبات الأمريكية وتجنب العقوبات الإيرانية.
وبموجب هذه الإستراتيجية، ستكون الإجراءات الاقتصادية والمالية العقابية جزءًا من مجموعة أدوات سياسية أوسع لتحقيق تأثير الدعم الشامل للحكومة.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، ضرورة المزيج الصحيح في سياسة العصا والجزرة لتغيير سلوك إيران، مشيرة إلى أنه من شأن ذلك، أن يمنع واشنطن وطهران وحلفائهما من الاستمرار في السير على الطريق المدمر الذي لا رجعة فيه المتمثل في تكثيف الصراع وعدم الاستقرار.