مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية بعد أزمة عام 2019، تصدرت حالات الانتحار المشهد في لبنان.
فخلال الأسبوعين الماضيين، سجلت 6 حالات انتحار لفئات عمرية مختلفة في مناطق عدة.
تحوّل إلى بلد فقير
في هذا السياق كشفت ميرا دالي بلطة، المعالجة النفسية والمشرفة على خط الحياة في جمعية “إمبريس-Embrace” للصحة النفسية، لـ”العربية.نت” أن “الدراسات العلمية تظهر أن نحو 10% من الوفيات الناجمة عن الانتحار تعود إلى مختلف العوامل والضغوطات، وأن 75% من حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة إلى متوسطة الدخل”، لافتة إلى أن “لبنان تحول اليوم من بلد متوسط الدخل إلى بلد فقير”.
وأضافت: “بالتالي يؤدي ذلك بالتأكيد إلى زيادة الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على الصحة النفسية عبر تفاعلها مع حالات نفسية سابقة أو ضغوطات أخرى، مثل الحالة المزاجية المنخفضة، ومستويات عالية من القلق، وأعراض الاكتئاب، وآليات التكيف الضعيفة التي تتأثر بالضغوط الحادة، وأنظمة الدعم الاجتماعي السيئة”.
كما أوضحت أن “هذه الضغوطات ممكن أن تفعّل أيضاً حالات نفسية جديدة. وعندما تتفاقم هذه التفاعلات تزيد من شعور العجز واليأس وبالتالي تساهم جميعها في الأفكار والسلوكيات الانتحارية”.
138 حالة عام 2022
يشار إلى أنه بحسب قوى الأمن الداخلي، تم تسجيل 138 حالة انتحار عام 2022. غير أن هذا الرقم يمكن أن يكون أكبر لأن هناك العديد من العائلات التي لا تبلغ قوى الأمن عن انتحار أحد أفرادها، خوفاً من الوصمة الاجتماعية.
ووفق الدولية للمعلومات، وهي مؤسسة تُعنى بالإحصاء، فإن حوادث الانتحار تراجعت عام 2022 مقارنة بـ2021، بحيث وصل متوسط حوادث الانتحار سنوياً خلال الأعوام 2013 – 2022 إلى 143 حادثة، فيما سجل العدد الأكبر عام 2019 (172 حادثة). أما العدد الأدنى فسجل سنة 2013 (111 حادثة).
(تعبيرية من آيستوك)
وفي تصريح صحافي سابق، قال الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إن “عدد حالات الانتحار خلال شهري يناير وفبراير من العام الحالي بلغ 21″، وهذا حسب المراقبين مؤشر خطير، نسبة إلى أن العام الحالي ما زال في بدايته.
“عدوى الانتحار”
إلى ذلك أكدت بلطة لـ”العربية.نت” أن “الأرقام الأخيرة لا تسلط الضوء على ظاهرة جديدة. ففي عام 2019، شهدنا اتجاهاً مشابهاً حيث حدثت عدة حالات انتحار متتالية، وتم الكشف عنها أيضاً في وسائل الإعلام وربطها بالوضع الاجتماعي والاقتصادي”.
وتحدثت عما يسمى في علم النفس الاجتماعي بـ”عدوى الانتحار” والتي تدفع الأفراد الذين لديهم استعداد ويمرون بمواقف مماثلة إلى الانتحار بعد سماع مواقف وحوادث الانتحار في الأخبار.
فيما عوّلت على الدور الكبير للإعلام في زيادة الوعي عن الصحة النفسية، لا سيما عند التعامل مع أخبار الانتحار، مشددة على ألا يتضمن نقل الخبر أي صور لأدوات أو مسرح الانتحار أو وصية الشخص أو صورته.
القلق والتوتر والاكتئاب
من جانبها اعتبرت جوسلين عازار، رئيسة قسم الطب النفسي في الجامعة اللبنانية – الأميركية أن أسباب الانتحار متداخلة غير أن معظمها مرتبط بشكل مباشر باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب الحاد.
وقالت لـ”العربية.نت” إن “حالات القلق والتوتر ومعهما الاكتئاب التي يشعر بها معظم اللبنانيين نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي نمر بها منذ عام 2019، زادت من معدلات الانتحار، لاسيما أن المواطنين لم يستطيعوا التأقلم مع هذه الأوضاع الصعبة، لذلك نشهد حالات انتحار، لا سميا عند الأشخاص الذين لديهم أساساً اضطراب نفسي”.
(تعبيرية من آيستوك)
كما أشارت إلى “أهمية نشر التوعية في المجتمع للحد من حالات الانتحار، وضرورة الاهتمام بالصحة النفسية للأشخاص الذين لديهم ميول للانتحار.
يذكر أنه منذ خريف 2019، يمرّ لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث، حيث تُسجّل الليرة كل يوم رقماً جديداً بانهيارها أمام الدولار، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر وتراجع القدرة الشرائية عند اللبنانيين، وسط عجز سياسي ومصرفي عن إيجاد حلول للأزمة.