fbpx
تونس تنهض من كبوتها الاقتصادية بالاعتماد على الذات.. حصاد 2023

تونس تنهض من كبوتها الاقتصادية بالاعتماد على الذات.. حصاد 2023


عاشت تونس طيلة 2023 تحت وطأة تغيرات في الوضع الاقتصادي، انطلقت بأزمة مالية حادة، لكن ملامحها بدأت تنفرج في آخر العام.

وقد كانت سنة 2023 في بدايتها صعبة على التونسيين، حيث سجلت نسبة التضخم في تونس ارتفاعاً طفيفاً في شهر يناير/كانون الثاني 2023 لتصل إلى مستوى 10,2%، ما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الأساسية.

كما عاشت البلاد خلال هذه السنة تحت وطأة فقدان المواد الأساسية وارتفاع الأسعار ما دفع الرئيس التونسي قيس سعيد لإقالة وزراء التجارة والاقتصاد والطاقة بسبب عدم قدرتهم على التحكم في الأسعار.

وبدأت سنة 2023 بموازنة تقدر بـ69.6 مليار دينار (22.4 مليار دولار)، مسجلة بذلك زيادة بنسبة 14.5 في المئة مقارنة بميزانية 2022، وبُنيت على أربع فرضيات من بينها قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

لكن هذا القرض لم يتحقق بعد القطيعة التي حدثت بين الحكومة التونسية والصندوق، حيث عبر قيس سعيد عن رفضه في مناسبات عدة “للضغوط التي تمارسها الجهات المانحة على بلاده والتي يقدمها صندوق النقد الدولي الذي يطالب برفع الدعم؛ حيث قال سعيّد إن “إملاءات المقرضين غير مقبولة، وإن خفض الدعم أدى إلى احتجاجات سقط فيها قتلى في تونس سابقاً”، مضيفاً أن “السلم الأهلي ليس لعبة”.

وأبلغ قيس سعيد مديرة صندوق النقد كريستالينا غورغييفا في يونيو/حزيران الماضي أن “شروط الصندوق لتقديم الدعم المالي إلى دولته تهدد بإثارة اضطرابات اجتماعية أهلية في البلد”.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، تتعثر المفاوضات بين تونس وصندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات.

ويعود التعثر إلى الانخراط في برنامج إصلاح اقتصادي، يشمل خفض دعم الطاقة والسلع الغذائية، بجانب خفض تكلفة الأجور العامة وإعادة هيكلة الشركات الحكومية.

شح السيولة

وانطلقت السنة بشح كبير في السيولة التونسية، ما تسبب في رفع في سعر الفائدة في السوق النقدية إلى 8%.

وفي مارس/آذار الماضي، قالت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني إن البنوك التونسية تواجه مخاطر في السيولة، في ظل تأخر البلاد في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

ولمجابهة هذه الأزمة وجدت تونس حلولاً محلية لتجاوز أزمتها المالية التي تضرب قطاعات عديدة من البلاد، حتى اتجهت للاقتراض الداخلي من المصارف.

ولجأت حكومة تونس بشكل مكثف للسوق الداخلية من أجل تعبئة مواردها.

وفي مايو/أيار الماضي، وقعت تونس على اتفاق تعبئة موارد بالعملة الصعبة بقيمة 400 مليون دينار، أي نحو 133 مليون دولار، حُصِّلَت من 12 مصرفاً محلياً.

وكشف البنك المركزي التونسي في نشرة صدرت عنه أن الاقتصاد التونسي يتسم هيكليا بالتعويل على المصارف المحلية، في ظل غياب بدائل أخرى على غرار الصناديق الاستثمارية ومؤسسات التمويل التنموي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت وزارة المالية التونسية و18 بنكاً محلياً على اتفاقية تُمكن من توفير قرض لفائدة الدولة بالعملة الصعبة بقيمة 750 مليون دينار (ما يعادل 213 مليون أورو و13 مليون دولار) وذلك في إطار تمويل ميزانية الدولة وفق ما نصّ عليه قانون المالية الأصلي لسنة 2023.

بوادر الانفراج

وطيلة سنة 2023، حاولت الحكومة التونسية التغلب على الوضع الاقتصادي الصعب من خلال الدفع إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد التونسي، حيث شهدت البلاد تحسن قطاعات السياحة والزراعة والصناعة والفوسفات.

وشهد قطاع الفوسفات طيلة هذه السنة انتعاشة لا سيما بالنسبة إلى الصادرات نحو الأسواق العالمية، فيما تمكنت تونس من استعادة أسواقها التقليدية على غرار الآسيوية والأمريكية والأوروبية.

وتهاوى الإنتاج من 8.2 مليون طن سنويا إلى أقل من النصف خلال العشرية الماضية بسبب الإضرابات العمّالية والمطالب المرتبطة بتوفير فرص عمل والتنمية وارتباك تسع حكومات متعاقبة في معالجة أزمة أهم قطاع استراتيجي.

كما بلغت عائدات القطاع السياحي، حسب بيانات البنك المركزي التونسي، خلال هذه السنة حوالي 5،8 مليار دينار ما يعادل 2 مليار دولار وفق ما ذكره وزير السياحة، محمد المعز بلحسين خلال جلسة استماع بمجلس نواب الشعب.

وانتهى عام 2023، بتراجع نسبة التضخم إلى 8%.

وعول الرئيس التونسي قيس سعيد، في سياسته الإصلاحية للاقتصاد التونسي على الحد من الاستيراد والاعتماد على الذات دون الحاجة إلى المؤسسات المالية ما مكن البلاد من انخفاض نسب التضخم ووقف نزيف إهدار العملة الصعبة.

كما أعلنت وزارة المالية في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 تقليص عجز ميزانية الدولة بنسبة 65%، خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2023، ليقدر بحوالي 1.320 مليار دينار، مقابل عجز بقيمة 3.764 مليار دينار، خلال الفترة ذاتها من سنة 2022.

وقالت وزيرة المالية سهام البوغديري في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 إن تونس تمكنت من سداد نحو 93% من التزامات خدمة الديون الخارجية حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، مضيفة أن البلاد ستواصل الوفاء بالتزاماتها رغم الضغوط الكبيرة على المالية العامة.

وبلغت قيمة الديون التي تم تسديدها خلال هذه السنة نحو 6.65 مليار دينار تونسي (2.1 مليار دولار)، من أصل 8.94 مليار دينار مبرمجة للعام الحالي في قانون المالية 2023، بحسب المصدر ذاته.

وأوضحت معطيات المركزي التونسي أنّ خدمة الدين الخارجي غطتها مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج إلى حد كبير إذ بلغت مجتمعة 10.7 مليار دينار لتصل بذلك نسبة التغطية 161 في المئة.

وأثرت هذه الوضعية إجمالا على مؤشّرات القطاع الخارجي، إذ تحسّنت قيمة الموجودات الصافية من العملة الأجنبية باعتبار بلوغها حاليا 26.4 مليار دينار (116 يوم توريد) مقابل 23.7 مليار دينار (111 يوم توريد) قبل سنة، وفقا للمصدر ذاته.

وسجّل مخزون تونس من العملة الصعبة في آخر السنة ارتفاعا، ليبلغ  ما يُعادل 113 يوم توريد.

عام الاعتماد على الذات

وقال الخبير الاقتصادي التونسي وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبدالجليل البدوي إن المنتدى أجرى دراسة مهمة لتقييم سنة 2023 من الناحية الاقتصادية.

وأكد لـ”العين الإخبارية” أن سنة 2023 أثبتت أن الاعتماد على الذات ممكن، موضحاً أن الوضع في تونس يتطلب إصلاحات مهمة واستطاعت الصمود على الرغم من عدم التحصل على القرض من صندوق النقد الدولي.

وأشار إلى أن تونس تمكنت أيضاً من الوفاء بتعهداتها الداخلية المتمثلة في تسديد الرواتب في آجالها، ومنح التقاعد وتوفير كل المواد الأساسية.

وأضاف أن تونس نجحت أيضاً في مواصلة تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية من صحة وتعليم ونقل، على الرغم من انخفاض نسب الجودة.

واعتبر الخبير الاقتصادي أن “تونس استطاعت التحكم في مسارها التنموي وتوجيهه طبقاً للخيارات الوطنية وليس طبقاً لإملاءات وشروط الجهات الأجنبية”.

من جهة أخرى، دعا الرئيس التونسي قيس سعيد في مناسبات عدة إلى ضرورة الاعتماد على الذات قائلا: “إمكانياتنا كبيرة وإرادتنا أكبر في رفع كل التحديات، وبسواعدنا وبثرواتنا البشرية يمكن أن نبني مستقبلاً دون أن يمن علينا أحد من الخارج ما لا يرتضيه شعبنا ويرتهن إرادتنا واستقلالنا”.

aXA6IDE5OS4xODguMjAxLjIzMyA= جزيرة ام اند امز