تضع المتغيرات الدولية المتسارعة الاقتصاد العالمي اليوم في مرحلة فارقة من تاريخه، فالأرقام تشير إلى أن العالم على أعتاب الركود.
في الوقت الراهن نرى مقاومة شرسة بسياسة نقدية مشددة في الولايات المتحدة الأمريكية للتضخم، فيما تسير ألمانيا على طريق الندم منذ إعلانها تقليص الاعتماد على الغاز الروسي.
بينما بريطانيا غارقة في أرقام سلبية، والصين تدخل دائرة الخوف لتسارع التداعيات المستمرة للجائحة وإغلاقاتها بالإضافة لتكون فقاعة عقارية في أفق الاقتصاد.
أمريكا تقاوم رعب التضخم
وسجل الاقتصاد الأمريكي انكماشًا للربع الثاني من العام على التوالي، في خطوة تعتبر في كثير من الدول ركودًا اقتصاديًا.
وحسب لغة الأرقام، سجل الاقتصاد الأمريكي انكماشًا بمعدل سنوي بلغت نسبته 1.6% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2022، وتلفت هذه البيانات، الانتباه على نطاق واسع في ظل تنامي المخاوف بشأن الاقتصاد، كما أوردت شبكة “بي بي سي”.
الانكماش في الناتج المحلي للربع الثاني على التوالي يفاقم بشكلٍ كبير خطر وقوع الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود بحلول نهاية العام.
ويأتي هذا بينما بلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة 9.1% في يونيو الماضي، وهو الأكبر في 4 عقود (منذ 1981).
فيما تتّجه الميزانية الفيدرالية الأمريكية نحو تسجيل أدنى عجز في 4 سنوات، مع انتهاء الإنفاق على التحفيز المرتبط بجائحة كورونا.
وقد توقّع صندوق النقد الدولي، في تقرير صادر أواخر يوليو 2022، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 2.3% هذا العام، بانخفاض ملحوظ عن تقديراته الصادرة الشهر السابق البالغة 2.9%.
ألمانيا على طريق الندم
فيما شهد أكبر اقتصاد أوروبي تدهورًا واضحًا في مؤشر مناخ الأعمال خلال يوليو الجاري مسجّلًا أدنى مستوى له منذ يونيو 2020.
كما تظهر هذه البيانات أن ألمانيا أصبحت “على أعتاب ركود”. وحسب المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية تراجع مؤشر مناخ الأعمال إلى 88,6 نقطة في يوليو بعدما كان 92,2 نقطة في يونيو، كما أوردت وكالة الأنباء الفرنسية.
والتراجع كان حادًا بشكل خاص في قطاع الصناعة حيث بلغ التشاؤم للأشهر المقبلة أعلى مستوياته منذ أبريل 2020.
عندما قررت ألمانيا تقليص الاعتماد على الغاز الروسي لم تكن تدرك أنها اختارت الاختناق ليس فقط لشعبها ولكن لاقتصادها المتأزم بالأساس.
وتعتمد ألمانيا -أكبر اقتصاد في أوروبا- على الغاز الطبيعي عبر الأنابيب من روسيا، والذي يمثل 35% من وارداتها من الوقود.
الصناعات بأكملها أصبحت معرضة لخطر الانهيار الدائم كالألمنيوم والزجاج والصناعات الكيماوية بسبب اختناقات تزويدها بالغاز؛ وفقاً لما ذكره موقع بزنس انسايدر.
مثل هذا الانهيار سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد بأكمله والوظائف في ألمانيا.
وتعد الصناعة الكيماوية، التي توظف حوالي 346 ألف شخص، ثالث أكبر صناعة في ألمانيا، وفقاً لوكالة التجارة والاستثمار الألمانية، وكالة ترويج الاستثمار في البلاد.
وتستورد القوة الصناعية جميع الغاز الطبيعي الذي تستخدمه تقريباً، والذي يمثل حوالي ربع إجمالي مزيج الطاقة بالبلاد، وفقاً لوزارة الاقتصاد.
كما أن أزمة الطاقة في البلاد قد تدفع التضخم بالفعل إلى مستويات قياسية، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
فيما عدل صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد ألمانيا إلى 1.2% هذا العام و0.8% في 2023، بينما تكبح الحرب الروسية في أوكرانيا انتعاش أكبر اقتصاد في أوروبا بعد الجائحة.
كما حذر صندوق النقد الدولي من تعرض ألمانيا لخطر خسارة 4.8% من ناتجها المحلي الإجمالي إذا أوقفت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي للبلاد.
وقال باحثون في المؤسسة، التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، إن العام المقبل سيشهد معظم التأثيرات الاقتصادية نظراً لخفض الإنتاج والضرر الذي سيلحق بالثقة الاقتصادية. وأضافوا في تقرير أن التضخم قد يرتفع بنحو 2% في المتوسط في عامي 2022 و2023.
بريطانيا غارقة في أرقام سلبية
وتتجه بريطانيا نحو فترة من الركود التضخمي مع توقع استمرار تباطؤ النمو حتى العام المقبل بينما تعاني البلاد من أعلى مستوى للتضخم في 40 عامًا.
ووفق بيانات رسمية، وصل مقياس التضخم الرئيسي في بريطانيا إلى أعلى مستوياته في 40 عامًا، عند 9.4% في يونيو/حزيران، ما دفع بعض الاقتصاديين إلى رفع توقعاتهم لذروة التضخم إلى 12%، كما نقل موقع بيزنس إنسايدر.
وأظهر استطلاع أجراه بنك سيتي الأمريكي و”YouGov” لاستطلاعات الرأي، أن التوقعات بين الجمهور للتضخم في 5 إلى 10 سنوات -وهو المقياس الأهم لبنك إنجلترا – انخفضت في يوليو/ تموز للمرة الثالثة في أربعة أشهر، على الرغم من بقائه عند 3.8%، وهي نسبة عالية بالمعايير التاريخية.
وكان بنك أوف أمريكا قد نشر في 12 يوليو/ تموز، تقريرًا عن توقعات التضخم لخمس سنوات، مشيرًا إلى انخفاضها إلى أدنى مستوياتها في عام تقريبًا.
وتتأثر بريطانيا بشكل خاص بالتضخم المرتفع وزيادة أسعار الفائدة والارتفاعات الضريبية والخروج من الاتحاد الأوروبي.
ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 0.7% فقط العام المقبل وهو أسوأ أداء في مجموعة السبع.
الصين في دائرة الخوف
وقد دخلت الصين أيضًا في دائرة الخوف من الركود حيث أشار كبار قادة البلاد إلى عدم وجود حافز كبير للنمو الاقتصادي في الطريق.
ويأتي ذلك بينما تواجه البلاد أيضًا ضغوطا تضخمية أكبر في الأشهر المقبلة.
وسجلت الصين تراجعًا حادًا في نموها الاقتصادي في الربع الثاني من العام بنمو لم يتعد 0.4% محققه أسوأ أداء منذ 2020.
ونما الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 2.5% فقط في النصف الأول من العام مقارنة بالعام الماضي.
فيما انكمش نشاط المصانع الصينية بشكل غير متوقع في يوليو، بعد التعافي من تداعيات عمليات الإغلاق التي فرضتها السلطات للحد من انتشار فيروس “كوفيد-19” الشهر السابق.
انخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعي الرسمي إلى 49 نقطة من 50.2 نقطة في يونيو، حسبما ذكر المكتب الوطني للإحصاء يوم الأحد في بيان أوردته وكالة “شينخوا” الرسمية.
كان استطلاع أجرته وكالة بلومبرج لآراء الاقتصاديين قد توقع قراءة للمؤشر عند 50.3.
كان الانتعاش الاقتصادي في الصين هشاً حيث خففت الحكومة من قيود مكافحة فيروس كورونا مع تراجع حدة تفشي الوباء في البلاد، لكنها شددت بعد ذلك مرة أخرى مع عودة ظهور الفيروس مرة أخرى.
واليوم، باتت البنوك الصينية مهددة هي الأخرى بخسارة ما يصل إلى 2.4 تريليون يوان (356 مليار دولار) بسبب تأخر تسليم المطورين للعقارات، وتوقف مئات الآلاف من المشترين عن سداد الرهون العقارية للبنوك ردًا على تأخر المطورين.
حقبة قاتمة
ومن جانبه، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي للسنتين الحالية والمقبلة، مشيرًا إلى “توقعات أكثر قتامة بكثير” ترجح أن العالم يقترب من حافة ركود عالمي.
وقلص الصندوق تقديرات إجمالي الناتج الداخلي للعام 2022 إلى 3.2%، أي أقل بنحو 0.4% من توقعات أبريل وحوالي نصف المعدل المسجّل العام الماضي.
ويرى الصندوق أن “الانتعاش المؤقت” من التباطؤ الناجم عن الوباء، أعقبته تطورات قاتمة في 2022.