في حال فوز كامالا هاريس برئاسة الولايات المتحدة، فإن الأنظار ستتجه إلى فيل جوردون الذي سيتولى منصب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، والذي سيكون مسؤولا عن صياغة السياسة تجاه إسرائيل.
وفيما لا يزال الكثير من خطط نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة الديمقراطية لسباق البيت الأبيض كامالا هاريس لولايتها الرئاسية الأولى غير واضحة بدرجة كبيرة، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عن اسم مساعدها الموثوق الذي يُعتقد أنه سيلعب دورا كبيرا فيما يتعلق بملف السياسة الخارجية.
وقالت الصحيفة، إنه من المتوقع على نطاق واسع أن يتولى فيل جوردون منصب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض في حال فوز هاريس في الانتخابات المقررة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وجوردون الذي يُعد مساعدا موثوقا لهاريس يشغل حاليا منصب مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس، ونقلت “واشنطن بوست” عن مصادر مطلعة قولها إن هناك توافقا كبيرا بينهما في الآراء خاصة فيما يتعلق بحرب غزة واستجابة الرئيس جو بايدن لها.
وأوضحت الصحيفة أن جوردون الذي لم يُكشف من قبل عن آرائه كان يخشى ألا تنجح الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية ولا الأجزاء الرئيسية من الاستجابة الأمريكية المخطط لها، وأنه كان يؤمن بذلك حتى من قبل انطلاق حرب غزة.
ووفقا للمصادر، فإن جوردون كان قلقاً من أن الطريقة الوحيدة لتحقيق هدف إسرائيل المتمثل في تدمير حماس بالكامل هي تدمير غزة معها مع كل المأساة الإنسانية التي قد تترتب على ذلك.
وقال أحد المصادر، إن جوردون لا يعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تؤثر على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سبق وتعامل معه خلال محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية قبل عقد من الزمان.
وعمل جوردون جنبا إلى جنب مع هاريس لصياغة تصريحاتها في العديد من نقاط التحول في الحرب، مما يوفر أدلة حول كيفية إعادة تشكيل السياسة الأمريكية الإسرائيلية إذا فازت كامالا بالرئاسة.
تحليل السياسة الإسرائيلية
ومن المحتمل أن تجري هاريس تحليلاً كاملاً للسياسة الأمريكية الإسرائيلية لتحديد ما ينجح وما لا ينجح، مع قيادة جوردون لهذه الجهود لكن حتى الآن لم يتضح بعد ما الذي يمكن أن تسفر عنه هذه العملية لكن بعض المصادر أوضحت أن المرشحة الديمقراطية قد تكون منفتحة على فرض شروط على بعض المساعدات لإسرائيل، وهي السياسة التي رفضها بايدن إلى حد كبير.
لكن بايدن اتخذ بعض الخطوات التي يمكن لهاريس البناء عليها ففي فبراير/شباط الماضي، أصدر مذكرة تلزم الدول التي تتلقى أسلحة أمريكية بالالتزام بمعايير معينة، بما في ذلك الالتزام بالقانون الدولي وتسهيل نقل المساعدات الإنسانية الأمريكية، لكنّ منتقديه يقولون إنه لم ينفذ المذكرة كما علق الرئيس الأمريكي لفترة وجيزة شحنة قنابل تزن 2000 رطل.
وتسببت حرب عزة في انقسام عميق داخل الحزب الديمقراطي، وبعد ترشحها للانتخابات تعرضت هاريس لضغوط كبيرة داخل الحزب للانسحاب من سياسة بايدن تجاه إسرائيل، لكنها رفضت ذلك خاصة وأنها ما زالت نائبة للرئيس.
لكن إذا فازت في الانتخابات فسيكون بإمكان هاريس أن تحدد مسارها الخاص وتضع سياستها الخارجية، فيما أصبح جوردون أحد أقرب مستشاريها وأكثرهم ثقة، حيث ساعد في توجيهها عبر عدة قضايا مثل الشرق الأوسط وحرب أوكرانيا.
وقال مكتب هاريس إنه لن يناقش سياساتها المحتملة إذا أصبحت رئيسة.
فيما قال دين ليبرمان، نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في بيان “إنها تظل نائبة رئيس الولايات المتحدة وتدعم سياسات إدارة بايدن”. وأضاف: “أوضحت نائبة الرئيس أنها ستضمن دائمًا أن إسرائيل لديها ما تحتاجه للدفاع عن نفسها ضد إيران والإرهابيين المدعومين منها.. ولن تترك إسرائيل أبدًا عاجزة عن الدفاع عن نفسها”.
ورغم أنها لم تحدد تفاصيل سياستها الخارجية، فمن المتوقع إلى حد كبير أن تواصل هاريس نهج بايدن في العديد من المجالات، بما في ذلك دعم أوكرانيا ضد روسيا، والرد على حزم الصين والسعي إلى بناء تحالفات دولية.
نقاط اختلاف
ويعتقد الحلفاء أن نقط الاختلاف الوحيدة لهاريس عن بايدن ستكون إسرائيل، فرغم دعمها العلني لموقف بايدن إلا أن تعليقاتها ومخاوفها الخاصة مع تطور الحرب تشير إلى أنها ستكون منفتحة على تحدي إسرائيل بشكل أكثر مباشرة.
وقال إيفو دالدر، السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي إن جوردون “يدعو إلى إلقاء نظرة جديدة على كيفية تعاملنا مع سياستنا الشاملة في الشرق الأوسط، في ظل الوضوح التام بشأن ضرورة وجود دولة نهائية للفلسطينيين”.
ويدعم بايدن الدولة الفلسطينية، لكن العديد من الناشطين يقولون إنه لم يفعل الكثير للترويج لها أو لمحاسبة نتنياهو على تقويضها.
سيرة نموذجية
ويمتلك جوردون سيرة ذاتية نموذجية فقد عمل مديرًا للشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس بيل كلينتون، ثم مساعدًا لوزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية في عهد الرئيس باراك أوباما، وأصبح في النهاية متخصصًا في الشرق الأوسط في البيت الأبيض خلال ولاية أوباما الثانية.
تخرج جوردون من جامعة أوهايو قبل أن يحصل على درجة الدكتوراه من كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ويقول زملاؤه إن الخلفية العلمية تشكل جزءا من نهجه المنهجي والنزيه والأكاديمي في السياسة الخارجية.
وفي حين يقول زملاؤه إنه ليس سياسيًا، كان جوردون من أوائل الأشخاص الذين انضموا إلى حملة أوباما عام 2008، رغم تفضيل الكثير من الدمقراطيين لهيلاري كلينتون في ذلك الوقت.
وفي عام 2019، أصبح جوردون مستشارًا غير رسمي للسياسة الخارجية لحملة هاريس الرئاسية التي سرعان ما انهارت قبل أن تنسحب ليختارها بايدن نائبة له.
وفي البداية، لم تكن علاقة هاريس وجوردان قوية، لكنهما أصبحا أقرب حين أصبح لهاريس دورا أكبر في السياسة الخارجية، حيث التقت نائبة الرئيس بزعماء أوروبيين لبناء تحالف مؤيد لأوكرانيا، كما سافرت عدة مرات إلى جنوب شرق آسيا لتعزيز التحالفات ضد الصين.
ويقوا مساعدو هاريس إن وجهة نظرها حول السياسة الخارجية تتأثر بخلفيتها كمدعية عامة، لكن هذا النهج قد يكون شائكا فيما يتعلق بإسرائيل، كما أن تعليقاتها حول الحرب تأثرت بهذا النهج؛ مثل: تأكيدها على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها “لكن من المهم معرفة “كيف” وتأكيدها عاى أنه “لا توجد أعذار” لعدم السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة.
وعكس بايدن، لم تؤكد هاريس أو حتى تشير علنًا إلى أن حماس تدمج مقاتليها بين المدنيين – ليس لأنها لا تؤمن بذلك، لكن لتجنب إعطاء إسرائيل غطاء لمعدل الضحايا المرتفع.
ومع ذلك، تظل تفاصيل كيفية تغير سياسة الشرق الأوسط تحت قيادة هاريس غير واضحة، وحذر العديد من قدامى المحاربين في الشرق الأوسط من أن تغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل قد يكون صعبًا سياسيًا.
وإذا فازت هاريس سيكون تأثير جوردون عليها أكبر من تأثير مستشاري بايدن عليه الذي كان عنيدا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، مستندا في ذلك على خبرته الطويلة التي تزيد عن 50 عاما داخل مجلس الشيوخ وعمله كنائب للرئيس.