“ما هو واضح اليوم هو الاستياء العام”، يقول الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، في بيان أصدره بمناسبة الذكرى الـ44 لانتصار “الثورة الإسلامية” في إيران.
خاتمي في بيانه يشير إلى حال التململ والسخط الذي يسود قطاعات واسعة من الشعب الإيراني، وهو شعور لا يقتصر على المعارضين لنظام الحكم الديني وحسب، بل هنالك شخصيات من رحم “الثورة” كانت لديها ملاحظاتها الناقدة والحادة تجاه السياسات الحكومية، وطريقة إدارة الأزمات التي شهدتها إيران في السنوات الأخيرة.
الرئيس الأسبق محمد خاتمي
الإصلاح المدني!
خاتمي يعتقد أن العمل وفق “وسائل مدنية غير عنيفة”، يمكنه أن يقود إلى “دفع الدولة من أجل تغيير مسارها والخوض في إصلاحات”، وهو بذلك يسعى لأن يجدد النظام آليات عمله من الداخل، وأن يراجع سياساته ذاتياً، مصغياً إلى المطالب الشعبية، كون محمد خاتمي من تيار فكري يعتقد بأنه لا قيمة معنوية ولا شرعية – قانونية لأي نظام إذا لم تكن لديه مقبولية من الشعب، وهو في ذلك يستند إلى مقولة يعتبرها حجر زاوية، تنقل عن زعيم الثورة الراحل روح الله الموسوي الخميني، يقول فيها إن “رأي الشعب هو الميزان”.
خاتمي وفي تحركاته المكثفة في الأشهر الأخيرة، يسعى أن يكون بمثابة “الجسر” الذي يصل بين الشعب ومؤسسات الدولة، إلا أنه في هذه الصلة يحاول أن يقنع الطبقة السياسية الحاكمة بأهمية وضرورة الإصلاح الحقيقي، وهو يعلم أن هذه مهمة شاقة، وهو شخصياً عانى الكثير من التضييق الذي مارسه ضده رفاق الثورة، فقد تم منع نشر صوره في الصحف الرسمية لسنواتٍ طويلة، رغم أنه كان رئيساً للجمهورية في إيران، وكان من الشخصيات القريبة من الخميني، ولديه تاريخه النضالي، إلا أن التيار “الأصولي” لم يعبأ بكل ذلك، ونظر لخاتمي بوصفه انقلابياً يسعى لتغيير قيم الثورة!
المسير الحذر!
لذا، يسير خاتمي بحذرٍ بين نظراتِ الشك وعدم الثقة تجاهه من التيار “المتشدد”، مجابهاً ذلك برفع شعار إعادة الثورة إلى مسارها الأساس، وأنه يجب أن تتم العودة إلى “دستور الجمهورية الإسلامية”، والذي تم الاستفتاء عليه في يومي 2 و3 ديسمبر 1979، بنسبة إقبال بلغت 71.6% من الإيرانيين الذين تحق لهم المشاركة، وتم إقراره بما نسبته 99.5%.
خاتمي هنا يسعى لأن يواجه “الأصوليين” بمنطق الثورة ذاتها، ومن خلال أدبيات آية الله الخميني، الذي ينظر له “الحرس الثوري” بوصفه “المثل الأعلى”، ولذا جاء بيان خاتمي ليقول لـ”الراديكاليين” إنكم تنقلبون على مبادئ الثورة ذاتها، التي أقرت رأي الشعب، ناصحاً إياهم بأن يعوا التغيرات الاجتماعية والثقافية بين الأجيال، قائلاً إن “الشعب يتخطى جيلنا والأجيال التي كانت حاضرة في الثورة وفي فترة الإصلاحات”.
المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي
رأي الشعب!
إن إشكالية الطبقة الحاكمة في إيران، هي سعيها لتطبيق تصور أحادي لـ”النظام الإسلامي”، وهي في ذلك تنحاز لرؤية شريحة محددة من الشعب، وتغفل الشرائح الأخرى الأكبر عدداً والأكثر تأثيراً، والأعنف تضرراً في ذات الوقت. ومن هنا أشار خاتمي إلى أن “الخطأ الكبير لنظام الحكم في البلاد هو إرضاء جزء صغير من المجتمع يعتبره موالياً له، على حساب زيادة استياء غالبية المجتمع الذين فقدوا الأمل في مستقبل أفضل”، معتقداً أن الشعب “يئس من النظام القائم”، ومرجعاً السبب في ذلك لكون “الحكم لم يبدِ أي إشارة حيال الإصلاح وتفادي الأخطاء”.
إذن، أولى نصائح خاتمي هي الإصغاء لـ”الشعب”، والتأكيد على أن “رأي الشعب هو الميزان”.
جمهورية النظام!
الركيزة الثانية الأساسية بنظر محمد خاتمي، هي “جمهورية” النظام، أي الأساس التداولي والديمقراطي له، وهي الركيزة التي بقيت طوال سنوات الثورة دون تفعيل حقيقي، بل على العكس من ذلك، جرى احتكار السلطة بيد طبقة سياسية تضيق يوماً بعد آخر، وخصوصاً بعد تولي المرشد الحالي آية الله علي خامنئي منصبه، حيث جرت عملية إحلال لـ”التيار الأصولي”، وتم إبعاد شخصيات كانت قريبة من الخميني، كـ”جماعة علماء الدين المناضلين”، ورئيس الجمهورية الراحل هاشمي رفسنجاني؛ وصولاً لسياسيين ليسوا منتمين للتيار “الإصلاحي” كالرئيسين السابقين لـ”مجلس الشورى” ناطق نوري، وعلي لاريجاني، وهو الإبعاد الذي يشير بوضوح إلى إحكام المرشد و”الحرس الثوري” على مفاصل الحكم في إيران!
من هنا، يعتقد الرئيس السابق محمد خاتمي، أن ثمة معضلة أصابت بنية النظام، وتتمثل في “الانتقال من الجمهورية، والميل إلى ما يتعارض مع الجمهورية”، أي توليد “الاستبداد” والحكم الأحادي بصيغٍ مختلفة، بعيدة عن قيم “الجمهورية”.
تصحيح المسار!
من أجل ذلك، وفي البيان الذي أصدره خاتمي، اقترح عدة نقاط من أجل تصحيح المسار الذي وصلت إليه “الثورة”، وهي نقاط رغم بديهيتها في نظر البعض، إلا أنه ليس من المتوقع أن يتعامل معها النظام الحاكم بـ”إيجابية مطلقة”، وأهمها “إصلاح العملية القضائية، وآلية تشكيل مجلس خبراء القيادة، ومجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام”، إضافة لـ”إصلاح السياسة على المستويين الداخلي والخارجي”، و”إعادة البرلمان إلى مكانته الحقيقية باعتباره المرجع الحصري لتشريع القوانين”، وأهمية “مكافحة الفساد على شتى الصعد”، مشدداً على أولوية “وضع حد لتدخل القوات المسلحة في الشؤون السياسية”، ومقترحاً أيضاً توفير بيئة لمشاركة الشعب في الإدارة، عبر “إجراء انتخابات حرة وتنافسية، وذلك بعد العبور من الأجواء الأمنية الضيقة إلى الانفتاح السياسي”.
النقاط أعلاه رغم وجاهتها في نظر المراقبين، فإن أكثرها أهمية هي دعوة خاتمي لـ”وضع حد لتدخل القوات المسلحة في الشؤون السياسية”، وهو التدخل الذي أشار له وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذي انتقد في التسجيلات المسربة انخراط “الحرس الثوري” في السياسة الخارجية الإيرانية، والدور الذي اعتبره سلبياً، وكان يمارسه القائد السابق لـ”فيلق القدس” قاسم سليماني.
قاسم سليماني “أرشيفية”
نقاطٌ قد تشكل طوق خلاص للنظام الحاكم في إيران، إلا أن “الأصوليين” قد ينظرون لها بوصفها محاولة من الرئيس السابق محمد خاتمي لتفكيك مراكز القوى المتحكمة حالياً، ولذا، من المرجح أنهم سيقفون بصلابة ضد تنفيذ أفكار خاتمي، إلا أن القرار الأول والأخير بيد “مرشد الثورة” الذي قد يأخذ ببعض ما جاء به خاتمي، وقد يشيح بوجهه عن “البيان” بأكمله!